الفريق 15 والثلاثاء الأسود.. رموز "مفزعة" في ملف خاشقجي !!!
في ملف الصحفي السعودي جمال خاشقجي تتداخل ملفات السياسة والأمن والعلاقات الخارجية وتتداخل الصدف والأقدار لتعيد التذكير بحادث آخر حفر نفسه في ذاكرة الألم الأميركية والعالمية.
وبات خاشقجي أشهر صحفي سعودي وأحد أشهر صحفيي العالم، وبين حياته وإختفائه الغامض إن لم يكن موته سال مداد كثير، بقلمه أو بأقلام العالم عنه اليوم.
أرقام وأيام !!!
كان من المفارقات العجيبة أن يكون الإختفاء القسري للصحفي جمال خاشقجي يوم الثلاثاء معيدا التذكير بالثلاثاء الأسود الـ11 من سبتمبر/أيلول 2001 عندما تحرك 19 من تنظيم القاعدة -من بينهم 15 سعوديا- لضرب مواقع أميركية بالغة الأهمية في نيويورك وواشنطن.
وتعيد الأرقام والأحداث نفسها من جديد، حيث تتحدث الرواية التركية لأحداث قضية خاشقجي عن أن فريقا مكونا من 15 سعوديا أيضا وصل إلى إسطنبول مستقلا طائرتين خاصتين هو من تولى تعذيب وقتل خاشقجي بمقر القنصلية السعودية.
ورغم الفارق الزمني بين الحادثين وهو 17 سنة على الأقل، والفارق المكاني بين موقعي الحادثين فإن ثمة فوارق أخرى كبيرة، من بينها أن السعودية كدولة رفضت في الحالتين مسؤوليتها عما حدث، وإستنكرت أي ربط لها بالواقعتين، ولكن مؤشرات الصلة والعلاقة تفاوتت بين الحالتين.
فبينما إقتصر إتهامها بالمسؤولية عن أحداث الـ11 من سبتمبر على دوائر إعلامية وسياسية غربية وأميركية تحديدا لا تكن لها كثيرا من الود، وسعت كثيرا لتوريطها والربط بينها أمنيا وفكريا مع بعض منفذي الهجمات فقد إختلف الأمر على مستوى حادثة القنصلية بإسطنبول.
ورغم أنه لا يمكن الجزم نهائيا بالجهة المسؤولية عن إخفاء وربما قتل خاشقجي قبل صدور نتائج التحقيقات الجارية بشأنه فإن التسريبات المنقولة عن السلطات التركية وما يتوفر من معطيات وقرائن تشير إلى أن الرجل لم يخرج من قنصلية السعودية منذ أن دخلها في اليوم الثاني من الشهر الجاري.
ومع ما بين الحادثتين من فروق كبيرة وإختلافات جوهرية تنفيذا وإستهدافا وسياقات زمانية ومكانية وتداعيات ونتائج فقد كان لافتا تداخل بعض نقاط التلاقي بين الحادثتين، ومن بينها :
- توافق يومي الحادثتين (الثلاثاء) وعدد عناصر التنفيذ (15)، كما أثارت قصة الطائرتين -أو الثلاث في حالة هجمات سبتمبر- لغطا كبيرا في الحالتين، ولكن نقطة التلاقي الأبرز تمثلت في الأثر السيئ الذي أوقعته الحادثتان في الصورة الخارجية للسعودية.
الصورة المشوهة !!!
لم تكد تنتهي هجمات الـ11 عشر من سبتمبر/أيلول حتى إنطلقت أصوات التجييش والتعبئة ضد السعودية، وإنخرطت مختلف وسائل الإعلام في تلك الحملات التحريضية ضدها، وقادت تلك الحملات الإعلامية لاحقا إلى رفع عشرات الدعوى القضائية ضدها في المحاكم الأميركية.
وفي خطوة مثيرة أقر الكونغرس الأميركي في 28 سبتمبر/أيلول 2016 بأغلبية ساحقة قانون جاستا الذي يسمح لعائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر/أيلول وغيرهم بمقاضاة الدول الراعية للإرهاب أمام القضاء الأميركي، وقال مراقبون كثر إنه يستهدف السعودية تحديدا.
ولم تكد صورة السعودية تتعافى بعد سنوات من محاولة دوائر أميركية وغربية ربطها بالإرهاب وتحميلها مسؤولية هجمات سبتمبر بدعوى وجود صلات بين بعض منفذي هجمات سبتمبر وبين أفراد مرتبطين بالحكومة السعودية حتى إنفجرت قضية إختفاء أو مقتل الصحفي جمال خاشقجي لتلقب الطاولة مرة أخرى، وتنقض غزل السعودية من جديد.
في مواجهة العقاب !!
ومثلما دفعت السعودية دولة ومجتمعا ثمنا كبيرا في السنوات اللاحقة لهجمات الـ11 من سبتمبر/أيلول توشك أن تبدأ من جديد في تسديد فاتورة باهظة لا أحد حتى الآن يعرف حجمها ومقدارها في ظل دعوات غربية واسعة لإنزال أقصى العقوبات عليها إن ثبتت مسؤوليتها عن مقتل خاشقجي.
ومع أن العلاقات السعودية الأميركية شهدت في السنتين الأخيرتين تطورا كبيرا بعد أن تمكنت السعودية من ربط علاقة وثيقة تحوم حولها شبهات كثيرة -وفقا لمراقبين- مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصهره ومستشاره جاريد كوشنير، بيد أن تلك المكاسب باتت الآن في عين العاصفة بعد أزمة خاشقجي.
وقد صعد ترامب في الأيام الأخيرة لهجته ولوح بعقوبات شديدة وقاسية ضد الرياض إذا ثبت وقوفها وراء إختفاء خاشقجي، مؤكدا أن ذلك سيثير غضب واشنطن بشكل كبير، وهي تصريحات لم يكن أحد يتوقع أن تصدر من ترامب تجاه السعودية على الأقل قبل أسبوعين.
وفي مقابل غضب ترامب الحقيقي أو المصطنع كثف عدد من أعضاء الكونغرس الأميركي ضغوطهم على إدارته لإتخاذ إجراءات شديدة بحق الرياض للكشف عن مصير خاشقجي.
وسواء إحتاج غضب المشرعين الأميركيين إلى زيت جديد لإشعال ناره الملتهبة أم لا فقد صعدت وسائل الإعلام الأميركية تغطياتها، وأطلقت ما يشبه حملة إعلامية للضغط على المسؤولين الأميركيين لإتخاذ إجراءات حاسمة بحق السلطات السعودية.
الملايين.. تذروها الرياح !!!
ويؤكد الكاتب البريطاني ديفد هريست أن رياح قضية خاشقجي سوف تعصف بملايين الدولارات التي صرفها بن سلمان من أجل تحسين صورته في الغرب وجعله مقبولا كحليف أساسي للولايات المتحدة الأميركية والقوى المناوئة للإسلام السياسي.
وتساءلت صحيفة الواشنطن بوست مرارا عن السبب الذي يدفع السعودية للتخلص من كاتب لا سلاح له إلا قلمه وشجاعته، وأكدت أنه إذا كان الرجل قتل داخل القنصلية السعودية فإن قتله سيسلط ضوءا جديدا ومقلقا على النظام السعودي وحاكمه الفعلي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وسيحتاج إلى إعادة تقييم شاملة للعلاقات الأميركية السعودية.
ولم تجد *الواشنطن بوست * سببا يدفع للتخلص منه سوى أنه ربما يشكل خطرا على نظام الحكم في السعودية، فخاشقجي ليس بالاسم المجهول داخل دوائر السلطة في الرياض، ففي حقيبة الأيام لهذا الرجل كثير من أسرار وتفاصيل الدولة السعودية، وعلاقتها ودوائر قواها المختلفة وربما المتصارعة أيضا، مما يجعله هدفا أساسيا لنظام سلمان وإبنه الذي لم يتعود على التسامح مع منتقديه.
دماء خاشقجي وعزل بن سلمان !!
تؤكد تحليلات إعلامية غربية عديدة أن دماء خاشقجي المختفي أو الصريع في قنصلية بلاده بإسطنبول سوف تضيف رتوشا مؤلمة على صورة من يصفه المقربون منه بالإصلاحي الجديد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
فقد طالب الكاتب الأميركي في صحيفة * نيويورك تايمز* " نيكولاس كريستوف " أسرة آل سعود بعزل ولي العهد بن سلمان وتعيين ولي عهد آخر، وطالب دول حلف شمال الأطلسي (ناتو) بسحب سفرائها من السعودية، والشركات الغربية بمقاطعة مؤتمر الإستثمار "دافوس في الصحراء" في الثاني من الشهر المقبل.
وطالب كريستوف أيضا بتحقيق دولي بشأن إختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي بإشراف الأمم المتحدة، قائلا إن المكان المناسب لولي العهد السعودي هو السجن في زنزانة منفردة.
وأشار إلى أن الجانب المثير للغثيان في التقارير بشأن إختفاء خاشقجي يتزايد بإطراد، ويبدو أن بن سلمان هو الذي أشرف على عمليتي الإغتيال وتقطيع الأعضاء.
وليست صورة بن سلمان هي وحدها المتأثرة بدماء خاشقجي، فقد أصبحت آمال الإنتعاش الإقتصادي التي بشر بها محمد بن سلمان في مواجهة رياح أخرى، مع فقدان البورصة السعودية مكاسبها في عام، ومع إعلان شخصيات إعلامية وإقتصادية كبيرة انسحابها مع مؤتمر مستقبل الإستثمار في السعودية ملقية بذلك ملايين الدولارات -التي صرفتها السعودية- في سلة المهملات، وواضعة مستقبل الإستثمار على شفا جرف الأسئلة المعلقة بشأن قضية خاشقجي.
ومع إختفاء أو قتل خاشقجي يدخل الزمن السعودي منعطفا جديدا، وتأتي رياح الصحفي "المختفي" على ضفاف البوسفور بما لم تشتهِ سفن بن سلمان المبحرة منذ عامين في أمواج التقرب من الغرب الغاضب الآن.
المصدر : الجزيرة + وكالات,الصحافة البريطانية,الصحافة الأميركية